الحج
يُعرّف الحجّ لغةً بالقصد، وأمّا شرعاً فيُعرّف الحجّ بأنّه قصد البيت الحرام لأداء أفعالٍ مخصوصةٍ، أو زيارة مكانٍ مخصوصٍ، بوقتٍ مخصوصٍ، لأداء عملٍ مخصوصٍ، ومن الجدير بالذكر أنّ الحجّ من أفضل الأعمال في الإسلام، فقد رُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنّه قال: (سُئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أيّ الأعمال أفضل، فقال: إيمانٌ باللهِ ورسولِه، قِيلَ: ثمّ ماذا؟ قال: جهادٌ في سبيلِ اللهِ، قِيلَ: ثمّ ماذا؟ قال: حجٌّ مَبرورٌ)،[١] وقد فُرض الحجّ على المسلمين في العام التاسع للهجرة، عندما نزل قول الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)،[٢] وكان ذلك في عام الوفود.[٣]
أركان الحج
للحج أربعة أركان هى :
1- الإحرام مع النية .
2- الوقوف بعرفة .
3- الطواف بالبيت .
4- السعى بين الصفا والمروة .
الركن الأول: الإحرام بالحج مع نية الدخول في الحج لحديث “إنما الأعمال النيات” .
الركن الثانى: الوقوف بعرفة لحديث “الحج عرفة” .
الركن الثالث: الطواف بالبيت لقوله تعالى “وليطوفوا بالبيت العتيق” .
الركن الرابع: السعى لما رواه الدارقطنى وغيره بإسناد حسن كما في المجموع أنه (ص) استقبل القبلة في السعى وقال : “يا أيها الناس اسعوا فإن السعى قد كتب عليكم” .
وزاد بعضهم الركن الخامس: الحلق أو التقصير لتوقف التحلل عليه مع عدم جبره بدم كالطواف.
وزادوا الركن السادس: ترتيب المعظم بأن يقدم الإحرام على الجميع والوقوف بعرفة على طواف الإفاضة وعلى الحلق والتقصير والطواف على السعى إن لم يفعل السعى بعد طواف القدوم والدليل على هذا الاتباع وحديث “خذوا عنى مناسككم” ويجب على المسلم أن يعجل بالحج .. قال عليه الصلاة والسلام “من ملك زاد يبلغه إلى بيت الله تعالى ولم يحج فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً”.
الإحرام ميقاته وحالاته
أولاً الإحرام: هو نية أحد النُّسكين : الحج أو العمرة أو نيتهما معاً. وهو ركن لقوله تعالى (“وما أُمِروا إلاّ لِيَعْبدوا الله مُخلِصين له الدِّين”) وقول الرسول صلى الله عليه وسلم (“إنَّما الأَعْمَالُ بالنيّات وإنّما لكل امرىء مانَوى”) والنيّة محلها القلب.
ثانياً الميقات الزمانى: أجمع الفقهاء – ماعدا الإمام مالك وابن حزم – على شوال وذى القعدة والعشر الأولى من ذى الحجة ، أما مالك فقال شهر ذى الحجة كاملاً ورجحه ابن حزم.
ثالثاً الميقات المكانى: للإحرام كذلك ميقات مكانى حدده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، للمسلمين كما يلى :
1- ميقات أهل مصر والشام والمغرب هو ( الجحفة ) وهو المكان الذى يسمى اليوم ( رابغ ) في الشمال الغربى للمملكة العربية السعودية .
2- ميقات أهل المدينة المنورة هو ( ذو الحليفة ) الذى يعرف الآن باسم ( أبيار على ) .
3- ميقات أهل العراق هو ( ذات عرق ) في الشمال الشرقى من مكة المكرمة.
4- ميقات أهل الكويت والمنطقتين الشرقية والوسطى من المملكة العربية السعودية هو ( قرن المنازل) وهو قريب من المكان الذي يعرف الآن باسم ( السيل).
5- ميقات أهل اليمن والهند ومن جاورهما هو ( يلملم ) وهو جبل يقع جنوبى مكة المكرمة .
ويقاس على هذه المواقيت ما يلائم الأماكن التى جاء منها الحجاج في أي مكان من العالم .
لا يجوز للحاج أن يمر بتلك المواقيت بدون إحرام ، سواء جاء عن طريق البر أو الجو أو البحر .
إذا آثر الحاج زيارة المدينة المنورة ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الحج ، فليس عليه إحرام ، ويصبح ميقاته هو ميقات أهل المدينة المنورة ( أى أبيار على ).
من أراد الحج من أهل هذه المواقيت ، سواء أكان من أهلها أو من غيرهم يُحرم من الأماكن التى هو فيها.
فإن كان الحاج خارج مكة المكرمة نوى الحج وأحرم من مكانه ، وإذا كان داخل مكة المكرمة نوى وأحرم من المسكن الذى هو فيه ، وأكمل أعمال الإحرام .
رابعاً : محظورات الإحرام :
من أحرم بالحج أو العمرة، يحرم عليه إتيان شىء مما يلى :
1- النكاح وما يتعلق به مما بين الزوج والزوجة .
2- لبس المخيط من الثياب ً .
3- تغطية الرأس .
4- إذا لم يجد المحرم نعلاً جاز له أن يلبس في قدميه أى شىء ، على ألا يصل الحذاء إلى الكعبين .
5- التعرض لصيد البر الوحشى ، أو لشجر الحرم وعشبه الرطب بقطع شىء منه بقصد الإتلاف (ولا شىء فى قطع العشب اليابس ) ، وكذا ما يزرع للانتفاع به كالحبوب والخضروات ، وما يؤخذ للتداوي أو الانتفاع به فى المبانى ونحوها .
6- الحلق والتقصير والتطيب وتقليم الأظافر ولا حرج فى غسل الرأس والبدن بالماء واستخدام صابون خال من الرائحة الطيبة . فى حال مخالفة تلك المحرمات يجب على الحاج الفدية حسب نوع المخالفة ، إلا النكاح وما تعلق به فهو يبطل الحج .
خامساً : حالات الإحرام:
هناك ثلاث حالات للإحرام فى موسم الحج ، ينوى المسلم إحداها عندما يحرم وهي :
1- التمتع:
وهو أن يحرم المسلم بالعمرة فى أشهر الحج ويفرغ منها ويتحلل ثم يحرم بالحج في نفس العام ، وعليه الهدى أو صيام ثلاثة أيام فى الحج وسبعة أيام بعد عودته إلى دياره .
2- الإفراد:
وهو أن ينوي المسلم الحج مفرداً ، فإذا فرغ منه اعتمر عمرة الإسلام إذا لم يتيسر له أداء العمرة من قبل .
3- القران:
وهو أن يحرم بالعمرة والحج معاً مقترنين بغير فاصل بينهما ، كأن يحرم بالعمرة ، ثم يدخل عليها الحج قبل الشروع فى طوافها ، وهذا عليه الهدى أو صيام ثلاثة أيام فى الحج وسبعة إذا رجع إلى دياره . يستحب للحاج عند الإحرام أن يغتسل ، ويصلى ركعتين ويقص شعر رأسه ، ويقلم أظافره ، والمرأة تفعل ما يفعله الرجل ، عدا قص الشعر ولبس غير المخيط التلبية بعد أن يُحرم المسلم ، ويؤدى الركعتين ، يستحب له أن يرفع صوته بالتلبية ، أما المرأة ، فيكفى أن ترفع صوتها بحيث تسمع نفسها ويكره أن ترفع صوتها أكثر من ذلك ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( جاءنى جبريل فقال : مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها من شعائر الحج ).
والتلبية هي:
(لبيك اللهم لبيك،لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك) وعلى الحاج أن يكثر من التلبية قدر ما يستطيع إلى جانب الأدعية الأخرى .
النيـــة:
بعد صلاة الركعتين ، يدعو الحاج أو المعتمر اللهَ بما شاء ، ثم ينوى الإحرام .
كيفيّة أداء مناسك الحج
لأداء مناسك الحجّ لا بدّ من اتباع الخطوات الآتية:[٤]
- الإحرام: إذا أراد المسلم الحجّ يجب عليه البدء بالإحرام، ويكون الإحرام للحجّ في اليوم الثامن من ذي الحجّة، ومن المكان الذي نزل فيه الحاجّ، ويُستحبّ عند الإحرام الاغتسال كغسل الجنابة، والتطيّب في الرأس واللحية، وبعد ارتداء ملابس الإحرام، يصلّي ركعتين سنّة الوضوء، ويشرع في الحجّ بعدها بقول: (لبيك حجّاً)، وفي حال الخوف ممّا يُعيق إكمال النسك يجوز الاشتراط، وهو قول: (محلّي حيث حبستني)، ثمّ يشرع في التلبية.
- الخروج إلى منى: بعد ذلك يخرج الحاجّ إلى منى، ويؤدي صلاة الظهر والعصر، والمغرب، والعشاء قصراً من غير جمعٍ، كما فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
- الوقوف بعرفة: يكون الانطلاق من منى باتجاه عرفات في صباح اليوم التاسع من ذي الحجّة، ويُسنّ النزول في نمرة حتى الزوال، وإن لم يتسنّى ذلك، يجوز التوجّه إلى عرفة مباشرةً، وعند زوال الشمس تصلّى صلاة الظهر والعصر جمع تقديمٍ، وبعدها يبدأ الحاجّ بالدعاء، والذكر، وقراءة القرآن بخشوعٍ واستحضارٍ لعظمة الله تعالى، وحاجة العبد إلى ربّه، وثمة أدعيةٌ وأذكارٌ مستحبةٌ في يوم عرفة، ومنها ما رُوي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أنّه قال: (خيرُ الدُّعاءِ دعاءُ يومِ عرفةَ، وخيرُ ما قلتُ أَنا والنَّبيُّونَ من قبلي: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، لَهُ الملكُ ولَهُ الحمدُ، وَهوَ على كلِّ شَيءٍ قديرٌ)،[٥] بالإضافة إلى قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (أحبُّ الكلامِ إلى اللهِ أربعٌ: سبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إله إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ)،[٦] ومن الجدير بالذّكر أنّه لا يصحّ الوقوف خارج حدود عرفة، ولذلك يجب التأكّد من أنّ الوقوف داخلها، حيث إنّها محدّدةٌ بعلاماتٍ واضحةٍ، ولا بأس بالوقوف في أيّ مكانٍ داخل الحدود، وذلك لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (نحرتُ ههنا، ومِنى كلُّها منحرٌ، فانحروا في رحالِكم، ووقفتُ ههنا، وعرفةُ كلُّها مَوقفٌ)،[٧] وبعد غروب الشمس يتم الخروج من عرفةٍ باتجاه المزدلفة.
- المبيت في المزدلفة: عند غروب شمس اليوم التاسع من ذي الحجّة، يتم التوجّه إلى المزدلفة، ومن المستحبّ صلاة المغرب والعشاء فيها، إلّا في حال الخشية من فوات وقت صلاة العشاء قبل الوصول إلى المزدلفة، فتصلّى في أيّ مكانٍ، وبعد الصلاة يتم المبيت فيها إلى الفجر، ويُستثنى من المبيت الضعفاء وأصحاب الأعذار؛ إذ يجوز لهم التوجّه إلى منى بعد منتصف الليل، وبعد صلاة الفجر في مزدلفة يتم التوجّه إلى المشعر الحرام، والدعاء عنده إن أمكن، وإلّا يجوز الدعاء في أيّ مكانٍ من مزدلفة.
- النزول في منى: يكون الخروج من مزدلفة باتجاه منى قبل شروق الشمس.
- رمي جمرة العقبة الكبرى: عند النزول في منى يُشرع في رمي جمرة العقبة الكبرى، حيث تُؤخذ سبع حصياتٍ حجمها أكبر من حبّة الحمص بقليلٍ، ثمّ تُرمى الجمرة واحدةٌ تلو الأخرى، ويكبّر الله في كلّ رميةٍ، ولا يجوز رمي الحجارة الكبيرة، أو الأحذية، أو السبّ، أو الشتم، بل يجب أن يكون الرمي بخشوعٍ وسكينةٍ.
- ذبح الهدي: بعد الانتهاء من رمي جمرة العقبة الكبرى، يُشرع في ذبح الهدي.
- حلق الشعر أو التقصير: بعد ذبح الهدي يتم حلق شعر الرأس، أو تقصيره، والحلق أفضل من التقصير للرجال، وذلك اقتداءً برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بالإضافة إلى أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- دعا للمحلّقين ثلاث مراتٍ، بينما دعا للمقصّرين مرةً واحدةً، وأمّا المرأة فتقصّر من شعرها قدر أنملةٍ، وينبغي العلم بجواز التقديم والتأخير بين الحلق، والذبح، والرمي، وبعد الانتهاء من الأعمال السابق ذكرها، يحلّ للمحرم كلّ شيءٍ من محظورات الإحرام؛ كالطيب، واللباس، وغير ذلك، إلّا النساء.
- طواف الإفاضة: وهو الطواف بالبيت، مصداقاً لقول الله تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ).[٨]
- السعي بن الصفا والمروة: بعد الطواف والسعي بين الصفا والمروة، يقع التحلّل الثاني من الإحرام، ويجوز للمحرم فعل كلّ ما حُرم منه أثناء الإحرام.
- المبيت بمنى ورمي الجمرات أيام التشريق: لا بدّ للحاجّ من المبيت في منى ليلة الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، إلّا لعذرٍ يتعلّق بمصلحة الحجّ والحجّاج، فقد رخّص رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- للرعاة المبيت في غير منى، وكذلك رُخّص للعباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه- المبيت في مكة؛ حتى يقوم بالسقاية، ويقوم الحجّاج في منى برمي الجمرات الثلاث في كلّ يومٍ من أيام التشريق الثلاث بعد زوال الشمس، ويتم رمي كلّ جمرةٍ بسبع حصياتٍ، فيبدأ بالجمرة الصغرى، ثمّ الجمرة الوسطى، ثمّ جمرة العقبة.
- طواف الوداع: بعد الانتهاء من رمي الجمرات، يتم الطواف بالبيت سبعة أشواطٍ، والخروج مباشرةً من مكة؛ إذ لا يجوز بعد طواف الوداع البقاء في مكة؛ إلّا فيما يتعلّق بتجهيزات السفر.
شروط الحج
ثمّة عددٌ من الشروط يجب توفّرها للحجّ، فالإسلام، والعقل، شرطان لصحّة الحجّ؛ إذ لا يصحّ حجّ الكافر، وكذلك المجنون، والبلوغ، والحرية شرطان للإجزاء، حيث يصحّ حج الصبي، والعبد، ولكنّه لا يجزء عنهما، فإذا بلغ الصبي، وتحرّر العبد وجب عليهما الحج مرةً أخرى، والاستطاعة شرطٌ للوجوب، وتشمل الاستطاعة: وجود المُحرم للنساء، وتوفّر الراحلة والزاد؛ إذ لا يجب الحج على من لا يستطيع الحج، بسبب مرضٍ، أو عدم القدرة على نفقة الحج، أو عدم أمن الطريق، أو عدم توفّر مُحرم للمرأة، فإن حجّت المرأة من غير محرمٍ، فحجها صحيحٌ، ولكنّها آثمةٌ.[٩]
- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1519، صحيح.
- سورة آل عمران، آية: 97.
- “الحج (تعريفه – منزلته – حكمه – شروطه)”، ar.islamway.net.
- عبد الله بن محمد البصيري (1423هـ )، كتاب الحج والعمرة والزيارة (الطبعة الثانية)، السعودية، مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 49. بتصرّف.
- رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن جد عمرو بن شعيب، الصفحة أو الرقم: 3585، حسن.
- رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن سمرة بن جندب، الصفحة أو الرقم: 2137، صحيح.
- رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 1218، صحيح.
- سورة الحج، آية: 29.
- محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري (1430 هـ – 2009 م)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، بيت الأفكار الدولية، صفحة 225، جزء 3. بتصرّف.